د. أسما الصيفي...العزف على أوتار الرحيل...مصر

 
العزف على أوتار الرحيل

بقلم
د. أسما الصيفي



Sunday, 10 November, 2024.
1:20 Pm. 
سوف أقدم لكم اليوم أغرب_قصة_حب فى العالم فهي تلك التى جمعت بين الموسيقار العبقرى والأرملة الثرية حيث كان أهم شروط هذا الحب ألا_يلتقيا ولا يرى أحدهما الآخر أبدا حتى يظل الحب متوهجا . ورغم هذا الشرط العجيب استمر الحب لمدة 13 سنة وكان يزداد كل يوم اشتعالا عن طريق الرسائل الملتهبة التى بلغت 1200 رسالة . إنها قصة الموسيقار العبقرى تشايكوفسكى (1840 ـ 1893) صاحب روائع بحيرة البجع وكسارة البندق والجميلة النائمة مع السيدة ناديجدا ، والأرملة الثرية جدا المولعة بالموسيقى ، والتى كانت تميل إلى العزلة حتى إنها لم تحضر زواج بناتها .
بدأت العلاقة بالمراسلة وإعجاب السيدة ناديجدا إعجابا بالغا بفنه ، ورأت فى موسيقاه حنينا داخليا يحيى روحها ، كانت فى الخامسة والأربعين جميلة وتملك ثروة طائلة ، وحين علمت بحالته المادية السيئة طلبت منه أن يكتب لها بعض المقطوعات وكانت ترسل له مبالغ مالية كبيرة .
ثم تحول الإعجاب إلى حب وكانت تعيش محاطة بصورة تتأملها كأنها مقدسة ، وتواصلت بينهما الخطابات باحترام وود شديد فى البداية .
تقول ناديجدا : إن خطابات هذا المؤلف الموسيقى تعيننى على تحمل أحزان الحياة . ثم اشتعل بينهما حب جارف لكن الغريب فى الأمر أن السيدة ناديجدا اشترطت عليه ألا تقابله ، ولا تراه ، ولا يراها حتى لا تخمد جذوة الحب بينهما .
وكتب لها : أينبغى أن أقول لك إنك وأنت بعيدة عنى وفى غير متناول يدى أعز عندى من روحى ، بل إننى لم أقابل قط فى حياتى أحدا أقرب إلى نفسى منك . وكتبت إليه ، إنني كلما ازددت حبا لموسيقاك تضاعف خوفى من لقياك !. وبدأت تدعوه ليقيم فى أحد قصورها ، ثم دعته ليقيم فى منزلها بموسكو . ودخل تشايكوفسكى إلى قصر من الرخام والبللور واللوحات الفاخرة . وفى الحجرة المخصصة له ، وجد كل شىء يحتاجه : البيانو وسجائره المفضلة ، والدواء الذى يتناوله قبل نومه ، وأوراق الموسيقى . وتأثر الموسيقار العبقرى بهذه الرعاية إلى درجة البكاء . ثم لم تلبث الحبيبة أن دعته كى يمضى عدة أسابيع بالقرب منها ، ولكن شرط ألا يراها طبقا لاتفاقهما السابق . ثم استأجرت له فيلا تبعد 500 متر عن قصرها الذى تقيم فيه مع حاشيتها وأولادها .
ووجد تشايكوفسكى كل شىء كالعادة معدا بعناية فائقة .
وفى الحال بدأت الرسائل بين المنزلين يحملها رؤساء الخدم كتبت إليه : إن الشعور بوجودك على مقربة مني لسعادة عظمى لا أستطيع أن أعبر عنها بالكلمات .وطبقا للاتفاق كانت تعرفه بمواعيد خروجها حتى لا يتصادفا فى الطريق . كانت كل يوم تمر فى الحادية عشرة صباحا أمام الفيلا التى يعيش فيها الفنان . ولو تصادف أنه كان يطل من النافذة ، فإنه كان يولى فرارا إلى الداخل .
ثم تقدمت السيدة إلى الخطوة الأخيرة ودعته فى الصيف التالى إلى أن يقيم فى نفس القصر الذى تعيش فيه ، على أن يعيش هو فى مسكن هادئ فى نهاية الحديقة !، وجعلت من حجرته كالمحراب علقت فيها صورة مطوقة الأزهار . وكالعادة بدأت الرسائل بين الاثنين ، كتبت له : يالسعادتى أن أشعر بأنك عندى ! إنه ليس الحب ! إنه ضرب من العبادة ! وفى غمرة حماسه وسعادته راح الفنان يكتب الاوبرا الجديدة «عذراء أوزليان» وكان كلما أرسل لها ما يكتبه تستقبله كأنه آت من السماء . ورغم أنهما كانا يعيشان فى قصر واحد إلا أنهما اتفقا على مواعيد خروجهما حتى يتجنبا أى لقاء ، ويقعا فى المحظور طبقا لاتفاقهما . ورغم كل ذلك حدث ذات يوم أن كانت مركبات السيدة ناديجدا تجتاز القصر متأخرة حوالى ساعة عن موعدها المحدد ، ولم يكن الفنان أخطر بهذا التأخير المفاجئ وعند خروجه فوجىء بمركبة السيدة ناديجدا تتقدم صوبه وهى بداخلها ! ولم يجد الرجل أى فرصة للفرار ، والتقت عيونهما لأول مرة بعد 13 عاما من الرسائل والغرام المشبوب ، فتملكه اضطراب عظيم ، وأحنى رأسه محييا ، ولم تكن هى بأقل منه اضطرابات ، فأومأت برأسها ترد التحية .. استغرق الأمر لحظة ، ثم أمرت سائقها أن يتابع المسير !
وأسرع تشايكوفسكى يكتب إليها معتذرا ، لكنها كتبت اليه : تعتذر لأنك قابلتنى مع أننى فى قمة السعادة لهذا السبب ، إنى أحمد الصدفة الغريبة التى أتاحت لى أن نلتقى على هذا النحو ! لقد جعلتنى أحس حقيقة وجودك بيننا ! لقد كنت سعيدة بعد أن رأيتك ، سعادة تفوق كل احتمالى حتى إننى لم أستطع أن أحبس دموعى .
وأصبح نجاح تشايكوفسكى باهرا ، ومؤلفاته تدر عليه المال الوفير ، واندفع الجمهور إلى المسرح يحمله على الأعناق بعد مقطوعة »عذراء اوزليان« وأنعم عليه قيصر روسيا بوسام القديس فلاديمير ، وغدت أوروبا كلها تتطلع إلى استقباله وموسيقاه ، وفى ابريل 1891 تمت دعوته إلى جولة فى أمريكا ، وتم تكريمه فى احتفالات تفوق الوصف .
لكن كل ذلك لم يبدد القلق لديه من توقف خطابات حبيبته ناديجدا ، وعاد إلى منزله فى روسيا لعله يجد رسالة منها ، لكن أمله خاب . وبعد بضعة أيام جاءته رسالة من زوج ابنتها ، يخبره أن حماته مريضة ، وأنها لن تستطيع أن تكتب له بعد ذلك . كانت أصيبت بالسل ولم تعد لديها القدرة على الكتابة . حيث كانت صدمة كبيرة لتشايكوفسكى وهو فى الحادى والخمسين من عمره وقال : لقد كنت أؤمن أن الأرض لتميد من تحت قدمى قبل أن تتحول مشاعر ناديجدا عنى ، ولكن هذا هو ما حدث ! إن ثقتى فى الناس قد ذهبت ، بل إن ثقتى فى العالم بأسره قد انقلبت رأسا على عقب .
وكان لهذه النهاية الغريبة أثر بالغ على آخر مقطوعات الفنان العظيم « السيمفونية الحزينة » التى جاءت ناطقة باليأس حتى قال عنها النقاد إنها أكبر عمل موسيقى عبر عن الحزن فى كل زمان ومكان . وفى يوم 3 أكتوبر 1893 وبعد عزف السيمفونية بأربعة أيام فقط ، أحس الفنان بألم فى معدته وراح يتلوى فى سريره ينادى الموت ويستعجله ، وهو يهذى يائسا : ناديجدا.. ناديجدا.. تعالى تعالى . وفتح عينيه وأغلقهما للأبد دون أن يراها ، وبعد شهرين من وفاته ماتت حبيبته أيضا .. لم تحتمل العيش بدونه ليسدل الستار على أغرب قصة حب فى العالم .

إرسال تعليق

0 تعليقات