إن لم تنم سيأتيك حنبعل بقلم: صلاح الشتيوي تونس 🇹🇳

 

إن لم تنم  سيأتيك حنبعل




بقلم: صلاح الشتيوي تونس  🇹🇳


لم يكن الصراع بين روما وقرطاج مجرد مواجهة عسكرية بين قوتين في البحر المتوسط، بل كان صراعًا بين حضارتين تمثل الأولى عقلية السيطرة والانضباط الإمبراطوري، والثانية روح الذكاء التجاري والعبقرية العسكرية.

وفي قلب هذا الصراع، برز اسم حنبعل بن حملقار برقة، القائد القرطاجي الذي جعل روما ترتجف خوفًا وغيّر وجه التاريخ من ضفاف تونس إلى جبال الألب.


1 قرطاج... منارة تونس القديمة

ولدت قرطاج على الساحل التونسي كمدينة تجارية مزدهرة، قادرة على منافسة أعظم إمبراطوريات عصرها.

كانت مدينة غنية بالثقافة والفكر، لكن طموح روما في السيطرة على المتوسط جعلها هدفًا دائمًا للتوسع.

في هذا السياق التاريخي، وُلد حنبعل التونسي سنة 247 ق.م، ونشأ في بيتٍ حربيٍّ مؤمنٍ بأن روما هي الخطر الأكبر على وجود قرطاج.


2 الحرب الثانية... عندما اشتعل المتوسط


بدأت الحرب البونيقية الثانية سنة 218 ق.م بعد أن رفضت روما توسع قرطاج في شبه الجزيرة الإيبيرية.

حينها ظهر حنبعل بخطة لم يسبق لها مثيل في التاريخ العسكري: قرّر أن يهاجم روما من الشمال، عابرًا جبال الألب مع جيشه الضخم وفيلته الحربية، متحديًا الطبيعة والبرد والموت.

كانت مغامرته تلك ملحمة إنسانية بكل المقاييس، أدهشت المؤرخين وأرهبت الأعداء


3 الانتصارات التي هزّت روما

ما إن وطئت أقدام حنبعل أراضي إيطاليا حتى توالت انتصاراته المدوية:


معركة تريبيا (218 ق.م): هزيمة نكراء للرومان بفضل تكتيك مباغت وسط مياه متجمدة.


معركة تراسمانوس (217 ق.م): كمينٌ محكم أباد جيشًا رومانيًا بأكمله.


معركة كاناي (216 ق.م): أسطورة عسكرية في التخطيط، قضى فيها حنبعل على جيش روماني يفوقه عددًا بمرتين، في واحدة من أعظم المعارك في التاريخ البشري.


منذ ذلك الحين، أصبح اسم حنبعل مرادفًا للرعب في روما، حتى أن الأمهات كنّ يقلن لأطفالهن:

> " إن لم تنم سياتيك حنبعل


4 قرطاج تترك بطلها وحيدًا


رغم انتصاراته، خذلته قرطاج. فبينما كان حنبعل على أبواب النصر، انشغلت النخبة السياسية بالمصالح التجارية والانقسامات الداخلية.

أما روما، فكانت تعبّئ طاقاتها وتعيد بناء جيشها حتى استعادت المبادرة.

وفي النهاية، اضطر حنبعل إلى العودة لتونس والدفاع عن وطنه في معركة زاما سنة 202 ق.م ضد القائد الروماني سكيبيو الإفريقي.

كانت النتيجة مأساوية: هزيمة قرطاج وسقوطها تحت السيطرة الرومانية.


5 المنفى والموت


بعد الهزيمة، عاش حنبعل مطاردًا، متنقلًا بين الممالك، يحاول بثّ روح المقاومة ضد روما في كل مكان.

وعندما حاصرته يد الخيانة، اختار الموت طوعًا قائلًا:

> "دعونا نُخلّص الرومان من خوف رجلٍ عجوز."

ومات سنة 183 قبل الميلاد، لكنه ظلّ حيًا في ذاكرة التاريخ.


6 حنبعل ورمزية المقاومة في تونس الحديثة


اليوم، لا يُذكر حنبعل في تونس كقائدٍ عسكري فحسب، بل كرمزٍ للحرية والكرامة الوطنية.

هو صورة من صور الوعي التونسي المبكّر، الذي قاوم الاستبداد والهيمنة عبر العصور.

من عبقريته استمدّ التونسيون قيم الدهاء، والصبر، والتحدي.

ومن ملحمته استلهمت تونس الحديثة فكرة أن الحرية لا تُهدى بل تُنتزع بالإصرار.

إن استعادة رمزية حنبعل ليست مجرد حنين إلى الماضي، بل استنهاض لروح تونس المقاومة والمبدعة، تلك التي صنعت التاريخ يومًا، وتستطيع أن تصنع مستقبلها من جديد.

إرسال تعليق

0 تعليقات