وقود النصر: عبقرية خفية أنارت سماء أكتوبر
بقلم الأديبة المصرية: هدى أحمد شوكت
في زمنٍ كان فيه الوطن على شفا حفرة من الخطر، حيث تداعت على مصر عيون الأعداء من كل صوب، وحيث حائط الصواريخ كان الحاجز الوحيد بين السماء والعدو، تَشكَّل قدرُ الأمة في عقل رجل واحد، عالم صامت لم يعرفه الإعلام، لكنه حمل بين يديه سرًّا أنقذ معركة الكرامة.
قبل الحرب بأشهر قليلة، انكشفت الحقيقة المُرَّة: وقود صواريخ الدفاع الجوي انتهت صلاحيته. توقفت المعامل، وعجز الخبراء العسكريون، وأغلق السوفييت أبواب الدعم، فغدا الموقف كليلٍ بهيمٍ لا قمر فيه. كادت الأحلام أن تتبدد، وكاد المشروع كله أن ينهار، لولا أن الأقدار أبت إلا أن تُكتب ملحمة جديدة.
حينها، بزغ اسم الدكتور محمود يوسف سعادة، العالم المصري الجليل، أستاذ المركز القومي للبحوث. جلس أمام معادلاته وأدواته كمن يُناجي الخلود، يحاول أن يفتت المستحيل كما يفتت الضوءُ ظلامَ الليل. وفي شهر واحد فقط، حوَّل الخطر إلى فرصة، فاستخلص من الوقود التالف خمسة وأربعين طنًّا صالحة، كأنما أخرج ماءً عذبًا من بين سبخ الأرض.
ولما أُجريت التجربة، وانطلقت الصواريخ إلى السماء، ترددت في الأفق آية النصر:
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ [آل عمران: 126].
ارتجف قلب السادات فرحًا، وكاد يقفز من مكانه حين بُشِّر بالنجاح. لم يكن الوقود مجرد مادة مشتعلة، بل كان شرارة الأمل التي أضاءت درب أكتوبر. بعبقرية هذا الرجل، أصبح الجيش المصري قادرًا على المواجهة، ليقف الجنود على خط النار مرفوعي الرأس، مدركين أن الله أكرمهم بعلمٍ من بين أيديهم، لا بعطايا الغريب.
ورغم عظمة الإنجاز، رحل الدكتور محمود يوسف سعادة عام 2011 بهدوء العظماء، بعيدًا عن الأضواء، كما يرحل النهر إلى البحر دون أن يطلب تصفيقًا من أحد.
فلتكن ذكراه تاجًا من نور فوق جبين مصر، وليكن دعاؤنا له رحمةً واسعة.
> يا عالِمًا حوَّل الرمادَ وقودًا *** فجعل النصرَ في الدروبِ خلودا
منحتَ مصرَ ذخيرةً من ضيائها *** وبقيتَ ذكرى في القلوبِ عهُودا
سلامٌ على روحك، أيها البطل الخفي، يوم وُلدت، ويوم جاهدت بعلمك، ويوم ترحل إلى ربك راضيًا مرضيًّا.
بقلم " هدى شوكت مصر
0 تعليقات